Thursday, May 22, 2008

سكر بنات




لم تكتسب السينما وصف السحرية من قدرتها على خلق أجساد تتحرك على شاشة بيضاء بل لقدرتها على اختراق نفوسنا وفتح صندوق إسرارنا وعكسها بالصوت والصورة ..
تزداد سحرية السينما عندما تضيء لنا العالم بمجرد ما تضاء أنوار الصالة لنجد أنفسنا متورطين في التصفيق المعبأ بعلامات الاستفهام وفي عالمنا العربي قلما تصادفك تلك الحالة.
رغم أن السينما العربية نشأت نسائية على يد أميرة عزيز إلا أن المخرجات لم يتركن إلى اليوم سوى بعض الضجيج الذي تحدثه تصريحاتهن في غير الفن
لكن الجميلة اللبنانية أبهرت الجميع .. قدمت فيلما لبنانيا مستفيدة من الدعم الأوروبي المستمر لسينما دول البحر المتوسط عن بنات لبنان صفق له جمهور كان ومن بعده جماهير و جوائز كل مهرجانات العالم.
نادين لبكي مخرجة كليبات نانسي عجرم – التي كتبت الفيلم ومثلت فيه أيضا .. لعبت بحرفية على منطقة مثيرة للاسئلة التي تفرزها الستائر المغلقة الظاهر على أفيش الفيلم وقدمت قطعة فنية تذوب في فم الجمهور والنقاد معا.

فيلم (كارميل/ سكر بنات) يحكي عن أربعة فتيات يجمعهم صالون سيدات (كوافير) لكل منهن حكاية ترفع جزء من الستار المسدل على حياة بنات لبنان وترسم صورة للفتاة العربية التي تعاني طوال الوقت من ضغط المجتمع الذي يراها في إطار معين.
الانتظار
"ليال" صاحبة المحل على علاقة مع رجل متزوج تعيش على أمل أن يطلق زوجته ويقترن بها وتكتشف في النهاية أنها على ذمة انتظار تلفونه الذي يأتي في أي موعد لتركض للقائه في مكان بعيدا عن الأعين.. و "جمال" السيدة التي تركها زوجها مع طفلين وتحاول أن تقاوم الزمن عن طريق عمليات شد الوجه وصبغ الشعر وتمسكها بالعمل كموديل إعلانات متجاوزة فكرة أن الوقت قد فات على كل ذلك.
و"نسرين" الفتاة المسلمة الوحيدة في المحل و المخطوبة إلى رجل من عائلة محافظة تضطر أمامهم لتغيير طريقة ملابسها وكلامها حتى يتمموا الزيجة والتي فقدت عذريتها وتحاول استرجاعها قبل الزفاف بأيام.
الرابعة "ريم" الشاذة جنسيا والتي لا تجد نفسها في هذا العالم الذي لا تستطيع فيه أن تكون كما هي.

"روز" الخياطة التي تسكن في مواجهة المحل والتي تعيش مع أختها العجوز الخرفة ولم تتزوج وتنتظر اليوم الذي تجد فيه فارس أحلامها بعد أن لون البياض أيامها وشعرها
نادين لبكي التي تحسن التعامل مع لغة الصورة نظرا لخبرتها في اخراج الأغنيات المصورة جسدت حالة متكاملة لحياة الفتيات والسيدات اللاتي تتقاطع حياتهن في نقطة الانتظار لرجل ينقذهن من واقعهن المعاكس لأحلامهن. وهو ما يحدث للبطلة ليال في النهاية مع ضابط الشرطة ويساعدها على اتخاذ قرارها بإنهاء علاقتها برجلها. الصورة التي تصل لحد الإبهار كانت البطل في هذا الفيلم النسائي قدمت دلالات ذات معنى فالسيدة العجوز التي تلم الأوراق من الشارع في انتظار رسالة من رجل مجهول.. استمرار ليال النظر من خلف ستارة باب المحل تتطلع إلى ما يحدث في الشارع في انتظار حبيبها المتزوج بشقراء .. معظم الأحداث التي تدور بداخل محل تجميل تختصر حياة البنات في هذه المنطقة التجميل الذي اجتاح هوسه عقول البنات.. ومحاولة الجميع الخروج من دائرته لاستكمال حياتهن..ربما هذا ما دفع المخرجة لإنهاء الفيلم بأغنية "مراية".

اختفى الحوار تقريبا من الفيلم فالحالة المصورة بدقة أعفت المخرجة والتي شاركت في كتابة السيناريو من جمل حوارية جاءت كأنها مقحمة رغم ضروريتها في المشهد الرئيسي من الرواية يوم عيد ميلاد حبيبها إذ اضطرت لاستئجار غرفة في مكان مشبوه قضت النهار تحاول أن تزينها لكنه لا يأتي بل تجد صديقاتها يحطنها الجمل مع ركاكة آداء نادين لبكي أفسد التسلسل الخلاب للمشاهد الموسيقية في لحظة الذروة لكل الأحداث عندما تشعر ليال بعبثية علاقتها وتعترف نسرين بفقدانها عذريتها لترى كلا من ريم و جمال حياتهن بالوضوح الكافي على إضاءة الشموع الذابلة.

في حين جاءت الصورة أكثر صدقا في مشهد لقائها بزوجته إذ اكتفت بالتركيز على ملامح وجه ليال وهي تتابع زوجته (العادية) وهي تتغنى بمدى سعادتها مع رجلهما. كما أعفت الصورة الرمزية المخرجة المتمردة من فجاجة تقديم العلاقة الشاذة بين ريم والفتاة التي ترددت على المحل تلك الفتاة العادية التي تعاني الفراغ وتحكم الأهل وسيطرتهم لدرجة أنها تبقي على شعرها طويلا (لاحظ رمزية الشعر الطويل في الذهنية العربية) هذه الفتاة تكسر طوق التحكم من خلال العلاقة المثلية المخالفة لكل ما يقوله المجتمع وتجد فيها جديدا يدفعها للحياة. ومن هنا كانت جرأة نادين التي استخدمتها كطعم لتوقع الغرب المتلهف لتصيد خطايا الشرق من خلال الأعمال الفنية التي يقدمها أبناؤه وربما يبدو ذلك مقنعا لو تذكرنا احتفاؤه بفيلم عمارة يعقوبيان!ا